Monday, April 16, 2007

الفشقة ...قصــة مليــون وخمسمائـ ألـف فـــــــدان زراعــــــي!!

الفشقة ...قصــة مليــون وخمسمائـ ألـف فـــــــدان زراعــــــي!!

صداقة مصطفي عثمان وسيوم مسفين هل تنجح في نزع فتيل الأزمة
وزير الداخلية (قلب الطاولة) على رأس الجميع!!
على منصة المرافعة: طلال مدثر
في طريقه لأن يكون مقعداً كسيحاً... بلد يتآكل من الأطراف... وقطر على اتساعه كان يحمل بجدارة وامتياز صفة أنه بلد المليون ميل مربع!! وما أقسى مفردة كان حينما تسبق سيرة أرض ووطن للأجداد والأمجاد اسمه (السودان).. فبلد المليون ميل مربع لم يعد يملك مليونية أراضيه ومساحته.
ووزير الداخلية الذي وقف يوم الأربعاء الماضي أمام (البرلمان) ليقول بأن سبب الخلاف مع مصر حول (مثلث حلايب)، وكينيا حول مثلث (اليمي)، وأثيوبيا حول (أراضي الفشقة)، يعود إلى طول الحدود، مارس يومها فعلاً قمة (الشفافية) وطرح المسائل بوضوح أمام النواب... فوزير الداخلية الذي قال إن الجهود بذلت مع مصر منذ عهد الشهيد الزبير محمد صالح كان يعلن بذلك ضمناً أن الجهود بعد ذلك فعلياً قد توقفت!! ووزير الداخلية الذي قال في خطابه بالبرلمان إن الإشكال مع كينيا قائم بشأن مثلث (اليمي) كان يرسل بذلك ضمنياً إشارات لحكومة الجنوب بأن جزءاً من الأرض التي يحكمون محتلة منذ عهد الصادق المهدي -منذ عهد الديمقراطية الثالثة- وتحديداً في العام 1988م ساعة أن بسط عليها الرئيس الكيني السابق (دانيال آروب موي) سيطرته لتأتي الانقاذ غاضة الطرف عن الأمر برمته خوفاً من التوتر الذي يحدث دوماً عند تقديم المطالب بالحقوق، لذا فإن على الحركة أن تتحرك!! ووزير الداخلية الذي وقف وقال بالبرلمان إن بالفشقة على الحدود مع أثيوبيا إشكالات كان يدرك تماماً أنه بذلك يقلب الطاولة على رأس الجميع... والي القضارف ود. مصطفى عثمان اسماعيل مستشار الرئيس!! كيف ذلك!! نحن نجيب.
الأزمة حول هذه الأراضي الزراعية العالية الخصوبة والمقدَّرة مساحتها بثلاثة ملايين فدان بدأت منذ العام 1995م وهو الموسم الذي شهد هجمات المزارعين الأثيوبين على المنطقة واحتكار زراعتها الشيء الذي أدى بدوره لإخلاء المزارعين السودانيين لها للدعم الذي حظي به الاثيوبيون يومها لتتراجع وتتقلَّص مساحات تحرك المزارعين السودانيين في حدود أراضٍ (بور) مساحتها مليون وخمسمائة ألف فدان!! نعم (بور) إذ لم يعد بمقدور هؤلاء المتضررين من هجمات الأثيوبيين مجابهتهم وهم مسنودون بترسانتهم العسكرية والتي شكى المزارعون السودانيون أمثال محمد أحمد عجب الحبيب، وكمال عريبي، وعوض الكريم الإمام، ومحمد عبدالمحسن، والشيخ عبدالقادر علي أحمد محمد الدوم، وإبراهيم جالو، وحمزة عبدالقادر، من عدم وجود مقابل لها في حيازتهم ليفقد هؤلاء جراء التغول الأثيوبي على أراضيهم تركتراتهم الزراعية المنهوبة و(دسكات الزراعة) ولواري نقل المحاصيل وحاصداتهم الزراعية ومحاصيل السمسم والقطن والذرة، إضافة إلى معسكرات المشاريع الزراعية (كنابي) بكامل محتوياتها ليصل حجم الدمار بالمشروعات إلى أكثر من (33) مشروعاً لم يملك أصحابها شيئاً سوى رفع عقيرتهم بالدعاء أن (حسبنا الله ونعم الوكيل... حسبنا الله ونعم الوكيل) والتوجه بشكواهم نحو ولاة الأمر بولايتهم الشريف أحمد عمر بدر، فالمرحوم ابراهيم عبيد الله، فالأمين دفع الله، وانتهاءً بعبدالرحمن الخضر الذي تقول قيادات نافذة للمزارعين بالقضارف إنه لم يقدم بوصفه والي الولاية حلولاً ناجعة للقضية حينما باشرت لجنة إعادة ترسيم الحدود بين البلدين أعمالها بقدرما قدَّم الأمر الذي اعتبروه تنازلات خاطئة وافق عليها بشكل ضمنٍ لهذه الأراضي لصالح الأثيوبيين وهو ما أدى يومها لانسحاب رئيسي اتحاد مزارعي الفشقة والقضارف من لجنة ترسيم الحدود وإصدار مجلس تشريعي الولاية لبياناً جمَّد من خلاله نشاط أعضائه باللجنة واعلان اتحاد عام مزارعي السودان انسحابه من اللجنة إلى أن تدخل وزير الدولة بوزارة الداخلية اللواء دكتور أحمد محمد أحمد العاص واحتوى الخلاف بعبارة دبلوماسية حينما قال: (إن طبيعة عمل اللجنة لا تخلو من الاجتهادات والأخذ والرد على سبيل التوصل إلى اتفاقات مرضية). اتفاقات وليست تنازلات!!
لجنة إعادة ترسيم الحدود بين البلدين، لجنة أخذت الكثير من الوقت حتى الآن فأثيوبيا وبحسب رؤية الدكتور حسن مكي الخبير في شؤون القرن الأفريقي تريد فرض الأمر الواقع ولا تريد ترسيم الحدود لأن الترسيم في نظرها يحرم المزارعين الاثيوبيين من الزراعة في مناطق خصبة.
والأثيوبيون وعلى الرغم من موافقتهم على اعتبار خارطة المهندس (قوين)-1907 والذي فوض بموافقة السودان وأثيوبيا بترسيم الحدود بين البلدين إلا أنهم عادوا كما يقول الدكتور أسامة علي زين العابدين- أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين للمماطلة لكسب الوقت، حيث حاولوا الحصول على وثائق من إيطاليا تثبت أحقيتهم هناك، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل (حتى الآن)، وهي إشارة إلى أنها قد تنجح في الحصول على هذه الوثائق القانونية للدفع بها كمبدأ جديد للتفاوض، سيما وأن الجانب الأثيوبي كما يقول د. اسامة قد يعمد لدعم عصابات الشفتة بطريقة أو بأخرى لإخلاء السكان السودانيين من تلك المناطق التي يجرى العمل على إعادة ترسيم حدودها... هذا الوضع أسهم في تكوين ما يعرف (بجيش تحرير الفشقة) المكوَّن من عناصر تنحدر من قبائل في شرق البلاد وغربها ويتخذ من إحدى دول الجوار مركزاً لقيادته، وهو جيش شكلته إحدى المجموعات القبلية من قوات شعبية بعد أن صعَّدت عصابات الشفتة الأثيوبية اعتداءاتها على مواطني الشريط الحدودي وهاجمت قرية «عطرد» القريبة من القلابات، مما أدى إلى مقتل واصابة ثلاثة من الرعاة السودانيين بنيران الشفتة، ولم تقو حكومة الولاية على أكثر من الإعلان عن تكوين فرق للهجانة لتمشيط الحدود، وهو ما لم يرض طموحات هذه المجموعة التي كوَّنت الجيش بغرض استعادة المناطق التابعة للفشقة.
تضارب تصريحات المسؤولين على المستويين القومي والولائي ممثلاً في حكومة ولاية القضارف ألقى بظلال كثيفة حول القضية مما اعتبر نوعاً من التعتيم على المسألة، إذ أنه وفي الوقت الذي ينفي فيه والي القضارف في تصريحات سابقة له للمركز السوداني للخدمات الصحفية أي وجود لإشكالات بالمنطقة بتأكيده (وأكد د. عبدالرحمن الخضر والي القضارف للمركز السوداني للخدمات الصحافية، عدم وجود أي خلافات حدودية بين البلدين)، يأتي بيان البروفيسور الزبير بشير طه بمثابة قاصمة ظهر و(قلب للطاولة) على والي القضارف والدكتور مصطفى عثمان اسماعيل رئيس اللجنة الوزارية بلجنة إعادة الترسيم والذي يعوِّل الجانب الحكومي السوداني عليه كثيراً لوضع حلٍّ نهائي للإشكال بحكم العلاقة الوطيدة التي تربطه بوزير الخارجية الأثيوبي (سيوم مسفين) منذ أن شغل الدكتور مصطفى عثمان منصب وزير الخارجية لتستمر العلاقة بعد ذلك رغم ابتعاد د. مصطفى عن الوزارة لصالح د. لام أكول.
والي الولاية أكد في تصريحات سابقة له لـ (الصحافة) بأن (الجيش) سيعبر إلى الضفة الأخرى شرق النهر -نهر عطبرة- بناءً على ما اتفق عليه الطرفان في وقت سابق لتطمين المزارعين وتشجيعهم على العودة لفلاحة الأرض البور التي هجروها خوفاً من تفلتات الأثيوبيين وهجماتهم وهو ما لم يحدث، إذ أن وزير الداخلية أعلن فقط لتوه في بيانه الأخير بأن وزارته شرعت بالدفع بوحدات من قوات الإحتياطي المركزي نحو مناطق النزاع التي أعلن الوالي قبلاً بأن وحدات من الجيش ستعبر إليها وهو موقف يحكي حالة التضارب في تصريحات المسؤولين على المستويين القومي والولائي.
ويعود د. الخضر مرة أخرى ليقول في تصريحات صحفية له في مارس الماضي (بأن لجنة ترسيم الحدود بين السودان وأثيوبيا ستنتقل إلى العمل في شمال جبل «دقلاش» لحسم نزاع بين مزارعي البلدين حول منطقة الفشقة في الخامس من أبريل القادم، مبيناً أن توجيهات الرئيسين البشير وزيناوي، جعلت اللجنة تبدأ في ترسيم الحدود من جنوب «دقلاش» حتى وصلت إلى قمبيلا وأن اللجنة سترفع تقريرها بعد الإنتهاء من عملها في مناطق الفشقة الكبرى والوسطى، لتعود مرة أخرى للعمل جنوب جبل «دقلاش» وهو للأسف ما يؤكد متضررون حسب قولهم إنه لم يحدث حتى الآن!!
أثيوبيا التي تبلغ مساحتها «1.127.127» كيلو متراً مربعاً ويبلغ عدد سكانها «72» مليون نسمة، تنبع أهميتها من أنها تقع في منطقة استراتيجية مهمة في القرن الأفريقي.. منطقة يحرص السودان فيها على الاحتفاظ بعلاقات جيدة مع أثيوبيا لأهميتها في أنها تملك حدوداً مشتركة ضخمة مع السودان، وهي اليوم مستورد رئيسي للبترول السوداني، فضلاً عن مياه النيل والأنهار المشتركة والتداخل السكاني بين الشعبين، ولك أن تتخيَّل ما يمكن أن يحدثه هذا سلباً أو إيجاباً في علاقات البلدين، ويبدو أن الحكومة قد انتبهت أخيراً لتنبيهات الدكتور حسن مكي بأن السياسة السودانية حسب رأيه آنذاك تبدو عاجزة وقاصرة وفاقدة الإتجاه وغير واعية لدورها في المنطقة وخاصة في أثيوبيا وأريتريا.. وباتت تتعامل مع الدولتين بطريقة (ودودة) مختلفة وهو ما يجعل د. حسن يعتقد بأن حل الإشكال يمكن أن يكون عن طريق الاتفاق أولاً على أن لا تكون الحقوق التاريخية المدخل الأفضل لحل النزاع في ظل مطالب أثيوبية بهذه المنطقة وهو يقترح معاملة تلك المنطقة باعتبارها منطقة «تخوم» خالية من الوجود الإداري والسياسي على أن تظل تابعة للسودان، ولكن المنفعة مفتوحة وتحدد البروتوكولات القانونية طبيعة الإنتفاع وكيفية تقسيم الأراضي والمطلوبات الأخرى التي تنجم عن هذا الوضع. غير أن الدكتور أسامة علي زين العابدين- أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين يعتقد بأن الحل يكمن في نزع الحيازات الكبيرة المملوكة لبعض قيادات اتحاد المزارعين هناك وتوزيعها على صغار المزارعين لضمان تعزيز الوجود السكاني، حيث أن كبار المزارعين يتواجدون بالمنطقة لثلاثة أشهر فقط.. هي أيام الحصاد!!
وما بين آراء الخبراء ومصالح الحكومة في الحفاظ على شهر عسل التقارب في وجهات النظر بينها وأثيوبيا وبين طفو القضية مجدداً على السطح ببيان وزير الداخلية أمام البرلمان تبقى (الفشقة) القضية العالقة منذ أحد عشر عاماً خميرة عكننة لسنوات عسل العلاقة بين السودان وأثيوبيا، قد تشكِّل القضية إن استسهلت خطورتها نواة لدارفور جديدة.. فلعلي أذكر جيداً اشارات سفيرنا بأثيوبيا ابوزيد الحسن ابوزيد حينما سألته في حوار سابق نشرته الصحيفة عن (الفشقة) فرد (لا يمكن أن نحسم مسألة تبعية أراضي الفشقة، ما لم نقم بإعادة ترسيم الحدود التي ستحسم كل شيء.. ويمكن ساعتها للمزارع السوداني الذي يزرع في أراضٍ اثيوبية، أن يزرع وفق قوانين الدولة، والأثيوبي الذي يزرع داخل أراضي السودان أن يزرع وفق قوانين الاستثمار في السودان، أو أي قوانين أخرى)، وحينما واجهته بالسؤال (ولكن إذا لم تكن هذه الأراضي أصلاً أماكن نزاع وتعرَّضت للتغول؟) ردَّ بقوله (إذا لم تكن مناطق نزاع، فهذه تبقى مسؤولية الحكومة الولائية)، ولعله كان ساعتها يقصد بالحديث إياك أعني فاسمعي يا جارة!! والخطورة في حديث السفير كانت حينما تحدَّث عن قضية الحدود مع أثيوبيا ككل فقال (يمكن أن تكون هناك إشكالات في منطقة قمبيلا وأعالي النيل التي توجد بها قبائل مشتركة، أي قبيلة واحدة تتمدد على حدود الدولتين، وهي قبائل رعوية لا تعرف الحدود، وتذهب فقط في اتجاه الكلأ والماء مما يؤدي لحدوث إشكالات والخطورة تبقى في هجرات هذه القبائل والتي تتبعها أشياء أخرى، مثل نقل السلاح وغيره من أماكن النزاع إلى المناطق الآمنة. ويمكن أن يؤدي ذلك لانفجار الوضع الأمني. وهذه الحالة واحدة من أسباب انفجار الوضع في دارفور التي دخلتها الأسلحة من مناطق الصراع في أفريقيا الوسطى وتشاد، وفي النهاية أدى الأمر إلى صراعات ونزاعات)، فيا ترى هل سيظل والي القضارف يردد وعلى طريقة زر الرماد على العيون بأنه لا توجد مشكلة على الحدود

No comments: